#056 ما الفرق بين من يتصرف بطفوليةٍ و ذاكَ الذي يعيشُ بروحِ الطفولة؟
الطفولة: منجمٌ منسيّ للحكمة
أحييكُم بتحيةِ الإسلام فالسلام عليكم و رحمة الله و بركاته...
نًجدِدُ اللقاء معكم و في جُعبتنا شذراتُ جديدة و خواطِرُ إلهامية نرجو من اللهِ أن تُلامس قلوبَ مَن يُصادِفُها و أن تكونَ سبباً في خيرٍ كثيرٍ لكُلِ مَن يُضحي بِدقائقِ وقتهِ الغالية من أجل الخوضِ في رِحابِها ..
فلكم منا جزيلُ الشكرِ و خالصُ المودةِ و العِرفان ..
و أوصيكم بذكر الله الذي لا تطمئنُ القلوبُ إلّا في معيّتِه و رضاه:
سٌبحان الله و الحمدلله و لا إله إلا الله و الله أكبر و أستغفر الله.
مساحة إعلانية:
**مثال توضيحي
لو كنت صاحبَ تجارةٍ أو صنعةٍ أو مدرباً أو كاتباً..
و ترغبُ في الإعلانِ عن أعمالِك..
أو التبادل الإعلاني لنشرتِك البريدية..
نقدم لك مساحةً لفعل ذلك من خلال منشوراتِنا في نشرة سبهلل البريدية!
تفضل بالتواصل معنا على صفحة الانستغرام
أترى الطفل الذي كنتَهُ حين تنظر في المرآة؟
ذاك الكائن الصغير الذي لم يكُن يحمِل من همِّ هذه الدُنيا شيئاً سوا حيرتِه بشأنِ لون جواربِه لهذا الصباح…
قبل أن تتعلّم الحذر، وقبل أن تُجيد ارتداء الأقنعة، وقبل أن تُجبرك الحياة على أن "تكون كما يُراد لك أن تكون"؟
ذاك الطفل الذي كان يجري بخفّةٍ خلف أطيافِ الفراشات، لا خلف المهامِ و المواعيد..
المُندهش من فراشة تطير، المفتون بظلّ شجرة، و المُتجرِّدُ من أيِّ تصنّعٍ في دموعهِ و في ضحكاتِه…
يُحبّ من أوّل نظرة، ويخاف من العتمة، و يتساءَلُ بدونِ حدود و يحلُمُ بدونِ قيود..
أتظنُّ أن ذلك الكائنَ البسيط، النقيَّ، العذبَ في سجيّته، قد غادركَ إلى غير رجعة؟
تبخّر كأن لم يكن؟
أبِإمكانِكَ رؤيةُ ظله يلوح لك من وراء العيون التي أُرهِقَت، والملامح التي هرِمَت، والملفات التي تراكمت؟
أم أنك، مثل كثيرٍ من الناس، حكمتَ على هذا الطفل بالسجنِ في دهاليز الذاكرة،
ثم وضعت عليه لافتةً عريضةً كَتبتَ فيها: «لا حاجة لي بكَ بعد الآن.»
هل تُراه ما زال يسكنك؟
أم أنك أعدت تشكيله حسب قياساتِ المجتمع، والواجب، والتوقعات..
و لم يبقَ منه إلا شيءٌ ضئيلٌ من الذكريات؟
الطفلُ هذا… لم يختفِ.
إنّهُ يقبَعُ هناك..
في الإعماقِ المُتوارية..
يتنفسُّ بخجلٍ تحت طبقات "النضج" و"الرصانة" و"المجاملات"..
يستيقظ في لحظات التعب، في نغمة أُنشودةٍ عابرة، في رائحة وجبةٍ دافئةٍ، ويتأمل العالمَ من حولِه في صمتِكَ الطويل..
تظنه مرحلةً مرّت، أو "نسخةً قديمة" من ذاتك، تنظر إليها بحنين،على غيرِ ظنٍّ بِأن تجدها حاضرةً فيكَ الآن.
لكنكَ - كما نحنُ جميعاً- تناسيْتَهُ و إن لَم تكُن تنساه..
تناسيْتَهُ حين صدّقتَ أن "الرُشد" يعني الجدية الدائمة، وأن "النجاح" يعني إخفاء المشاعر،
وأن "الوعي" يعني أن تكُفَّ عن طرح التساؤلات..
وأن الطفولة ماهيَ إلا مرحلةٌ وجب عليكَ دفنها، لا إحياؤها..
و الآن..
كيفَ هو حالُك؟
ما الذي يُميّز دماغّ الطفل؟
كيف تسكنُ الحكمة في من لا يعرف القراءة بعد؟
قد يخدعك مشهد الطفل لأول وهلة…
فتراه يمشي مترنحًا في خطواته، يثرثر بكلماتٍ مبتورة،
ويتأمل الأشياء من حوله بعيونٍ مفتوحة على وسع الدهشة،
فتظنّه غافلًا…
كائنًا هشًّا لا يدري من أمر الدنيا شيئًا.
لكنك، إن تمهّلت قليلًا، وتأملت كثيراً،
ستُدرك أن هذا المخلوق الصغير لا يُشبه جهلك به...
ستُدرك أنّ هذا الطفلَ — وإن جهل الحروف، وعجز لسانه عن تصريف الأفعال —
فإنّه يمتلكُ في داخله فيلسوفًا صغيرًا،
يتأمّل الحياة بفطرةٍ لا يشوبها اصطناع،
ويطرح أسئلةً لو وُزِنت ببعض نظريات الفلاسفة لرُجِّحت عليها بالصدق والبساطة.
هو لا يُحلل كما نفعل، ولا يُنظّر كما اعتدنا،
لكنه يختلفُ عن عقل الراشدِ و يتفوّقُ عليهِ في بعضِ الخِصال..
فما الذي يُميّز عقل الطفل؟
وما خصائصه التي تجعل منه كائنًا يرى ما لا نراه، ويشعر بما لم نعد نشعر به؟
● صفاءٌ لم يتعكّر بعد
ما يميز عقل الطفل، ليس كثافة نموّه، ولا سرعة تشكّل وصلاته العصبية فحسب،
بل صفاؤه، ونقاؤه الذي لم تلامسه يدُ التلوّث المعرفي بعد.
هو عقلٌ بكر، لم تُزرَع فيه بذور الأحكام الجاهزة بعد ، ولم تتسلّل إلى أركانه سُمومُ التصنيفات المعلّبة..
فهو دماغٌ:
لا يُفرق بين الأبيض والأسود… لأن قلبه لم يُقسّم العالم بعدُ إلى “نحن” و”هم”.
لا يحتقر الفقير… لأن نفسه لم تُدرّب بعدُ على قياس القيمة بسِعة الجيب.
لا يُداهن القوي… لأن فطرته لم تتعلم بعدُ أن تُمجّد السطوة و أن تتجاهل الحق.
لا يعرف الكذب… إلا إذا لُقّن كالببغاءِ الناطق.
ولا يرى الأشياء على غير حقيقتها… إلا إذا أُجبر على ارتداءِ تلك النظارات التي يوزّعها الكبار مجانًا على من أراد أن "يبدو ناضجًا".
هذه البصيرة الطازجة، هي شكل من أشكال الإدراك الخام – الإدراك الذي لم يُشوّه بعد بمصفاة التجارب المؤلمة، أو التعليم المُفرط في التهذيب، أو الرقابة الداخلية التي تكمّم أفواه البالغين.
ولذلك، كثيرًا ما يُحرجنا الطفل لا بوقاحته، بل بصدقه الصادم الذي يكشف هشاشة منطقنا، أو تعليقٍ عفوي يُربِكُ هندسة وعينا الجمعي و يعرّي تناقضاتنا التي علّقنا عليها شارات الرشد والكياسة.
توقٌ فطريّ للعدالة
لا يحتاج الطفلُ إلى أن يغترف من كتب الفقه السياسي،
ولا أن يُطالع شرائع القانون،
ولا أن يتصفّح مقدّمة ابن خلدون،
أو أن يوقّع على بيانٍ صادر عن "هيئة حقوق الإنسان"…
لأنه يُولد بفطرتهِ مزوّدًا بشعورٍ داخليّ بالإنصاف.
فالعدل عند الطفل ليس فكرةً فلسفية… بل غريزةٌ حيّة، تشتعل في دمه قبل أن ينطق لسانه.
يغضب إن سُلِبَ منه حقّه، وإن كان لعبةً مكسورة.
ويثور، لا من باب الشجاعة، بل من ضيق القلب، إذا رأى أخاه يُضرَب ظلمًا.
ويُحدّق فيك بعينين صغيرتين مُنكرًا، إذا قُسِم الطعام وكان نصيبه أقل:
"لماذا تبدو قطعتُهُ أكبر؟"
فالعدل في نفس الطفل ليس قيمةً حديثة، تُزرع فيه عبر التربية،
بل هو حاجةٌ نفسية، ومطلبٌ فطريّ، يئنّ في داخله حين يختلّ النظام، حتى وإن كان الاختلال في لعبة، أو حضن، أو كلمة.
● مشاعرٌ بلا أقنعة
الطفلُ كائنٌ يعيشُ على سجيته..
كائنٌ لم تُلوّثه بعدُ نُظم التهذيب الاجتماعي،
ولم تٌفسِد وجدانه تلك التعاليم الباردة التي يسمّونها في كُتب الراشدين بـ"التحكم الانفعالي".
كائنٌ لا يعرف التمثيل العاطفي..
لا يُزيّن مشاعره، ولا يُلمّع ردوده، ولا يؤجل انفعاله لوقتٍ أنسب.
يضحك حين يفرح، بصوتٍ عالٍ دون استئذان.
يبكي حين يتألم، أمام الجميع بلا حرج، وبلا خشيةٍ من وصفه بـ "الضعيف".
يغضب حين يطالهُ الأذى، ويعبر عن غضبه دون مراوغة و دون تفكيرٍ بالعواقب.
هكذا هي طبيعته العاطفية: يحبُّ بصراحة، ويغضبُ بصراحة، ويشتاقُ بصراحة.
يدعمُ مشاعره مباشرةً بتصرفٍ فَوريٍ وما أعجَب ما ترى منه حين يُصادف الألم في وجه غيره:
تراه يقطّب جبينه، ويتقدّم بخطاه الصغيرة نحوه،
وقد يُهديه لعبته، أو يجلسُ إلى جانبه في صمتٍ نبيلٍ لا يعرف التكلف،
صمتٌ فيه من الحنان ما يُربّت على الظهر دون أن يُقال.
وليست هذه بسذاجةٍ، كما يتوهم الراشدون الذين جُبلوا على خنق مشاعرهم باسم الاتزان،
بل هي النسخة النقيّة من مهارةِ الذكاء العاطفيّ،
قبل أن تُدنّسها نصائح “امسك نفسَك!”، و"لا تكن حساسًا"، و"عيب أن تبكي".
● خيالٌ واسع… لا يؤمن بالمستحيل
الطفلُ، في سيره بيننا، ليس كائنًا صغيرًا فحسب،
بل هو كائنٌ مُحلّق، لا يعرف من الأرض سوى أنها بساطٌ مؤقت لطيرانه.
يرى الأشياء كما لو كانت تنتمي لعالمٍ لم تُصِبه يد "الواقعية"،
ويفكّر كما لو أن الكون بأسره ينتظر تفسيرًا جديدًا يُخرِجه من رتابة المُسلَّمات..
فهو لا يعرف ما تعنيه عبارة: "هذا لا يجوز" أو "هذا غير ممكن"،
إذ لم يتعلّم بعدُ أن يسجِن خياله خلف قضبان الواقعية الصارمة،
ولا أن يُعرِض عن فكرٍ لمجرد أنه لا ينسجم مع "منطق الكبار".
تراه يُحادث دميته كما لو أنها صاحبةُ قلبٍ نابض،
و يتأمل حركةَ القمرِ حينَ يكون في المقعدِ الخلفي للسيارة, لأنه يؤمن أنه يُلاحقه،
ويبتسم للشجرة لأنه يراها تُغني بلغةٍ و نعماتٍ لا يسمعها أحدٌ غيره،
ويكتب قصته الأولى على هوامش دفترٍ مطويّ، كأنما يصنع كونًا من ورقة، وبطولةً من قصاصة، ومعجزةً من خيال.
خياله هذا ليس هروبًا، وإن بدا للراشدين ترفًا طفوليًا،
فهو في جوهره وسيلة الإنسان الأولى لفهم العالم، واحتواء ما استعصى عليه من الظواهر.
كلما عجز عن الفهم، لم يُنكِر، بل اخترع.
وكلما استعصى عليه تفسيرٌ، نسج من خياله تأويلاً،
لا ليكذب، بل لينجو من فراغ الجواب.
ولو تدبّرت ذلك، لرأيت أن ما نعدّه "سذاجة"..
هو في حقيقته النسخة الأولى من الإبداع.
ذاك الإبداع الذي لا تُحرّكه قواعدٌ علميةٌ ولا سطورٌ بحثية..
بل تُحرّكه دهشة القلوب وتعطشُ العقول.
التصرفُ بطفولية و العيشُ بروحِ الطفولة: ما الفرق؟
في زمنٍ تتزاحم فيه الوجوه، وتتماهى فيه الأقنعة،
يظنّ كثيرٌ من الناس أنّ العودة إلى الطفولة هي مهربٌ من مسؤوليات الحياة،
فيخلطون بجهلٍ بين مَن يتصنّع البراءة… ومن يحتفظ بها.
بين من يتشبّه بالأطفال سلوكًا… ومن يحمل روحهم جوهرًا..
ولأن العمر ماضٍ لا يعرف رجعةُ..
فإن الطفولة ليست فصلًا يُطوى من كتاب الحياة..
بل خصلة باقية، ما دام في القلب نبضٌ وفي الروح رمق.
فدعنا نسلط الضوءَ الآن, عزيزي القارئ على الفارقِ الجلي..
بين من يتصرّف كطفلٍ في هزاله، ومن يحيا بروح طفلٍ في نقائه.
بين سلوك أجوفٍ، وروحٍ حية..
❖ أولًا: التصرف كالأطفال…
لعلّي لا أُحسِن التعبيرَ عن المفارقة دونَ استعمالِ بعض المصطلحاتٍ الانجليزية و لكن تريّث معي:
حين يقول الناطقونَ باللسان الأجنبي عن شخصٍ ما بأنه : “Acting childish” ..
فإنه قلّما استُعمِلَ هذا الوصف في مقام المديح، وما أكثرَ ما يُرمى به على سبيل الذمّ والاستهجان...
فالذي يتصرّف بطفوليةٍ هو ذاك الذي يرفضُ تحمّل المسؤولية، ويغضب كالمحروم متى لم تُلبَّ رغباته، ويطلب من الدنيا أن تدور حوله كما لو كان “محور الكون” أو “شمس المجرة”. يُعلّق أخطاءه على شماعات الآخرين، ويغرق في تمركزٍ خانق حول ذاته، لا يرى من الوجود إلا مرآةَ صورته.
نعم, إنه ذاكَ الشخصُ الذي كثيراً ما نصِفه بأنه “ابن امه” أو “ياهِل” أو حتى “مراهق”..
طفولية السلوك ليست دليلاً على خفّة الروح..
بل علامةً صريحة على عجزٍ فكريٍ و سلوكي.
و تتجلى هذه الظاهرةُ بوضوحٍ في مواقفٍ من مثل:
أن ترفض المبادرة في الاعتذار لأنك ترى نفسك دائمًا الضحية.
أن تهرب من مواجهة الواقع بالمزاح أو اللامبالاة.
أن تصرخ بدلًا من التواصلِ و التعبيرِ بوعي و هدوء.
أن ترفض الانضباط باسم “الحرية”.
أن تُقاطع غيرك في الحديث لأنك لا تحتملُ عدم كونِكَ محطّ الأنظار.
أن تُصرّ على كسب الجدال حتى لو كنت على باطل، فقط لإرضاءِ غرورك.
أن تنسحب من المسؤولية بمجرد أن تصبح الأمور صعبة، وكأن النضج خيارٌ ثانوي.
أن تنتظر الآخرين دائمًا ليحلّوا مشاكلك، دون أن تبذل جهدًا أو مبادرة.
أن تُحوِّل أبسط الخلافات إلى ملحمةٍ من “الدراما” وكأنها مأساة كونية.
أن تُطالب بالامتيازات دون أن تؤدي أبسط الواجبات.
أن تعتبر النقد هجومًا شخصيًا لا وسيلةً للتعلّم والتحسّن.
و القائمةُ تطولُ و تتسِع..
حتى تغدو مشهدًا بائسًا لا يمتّ إلى روح الطفل بصلة..
بل هو تقليدٌ مشوّهٌ لمرحلةٍ بريئة من العمر، حيث لم تكن محدوديةُ الوعي عيبًا بل طبيعةً مغفورة.
❖ ثانيًا: العيش بروح الأطفال…
على الصعيدِ الآخر و المُناقِضِ تماماً..
حين يقول الأعاجم عن شخصٍ ما بأنه : “Acting child-like” ..
فإنما يصفونه في لحظاتٍ مضمّخةٍ بالدفء، مشوبةٍ بالدهشة، مكلَّلةٍ بإعجابٍ لا يخلو من الغبطة.
ذاك هو الإنسان الذي آثر أن يُقيم في داخله موطناً للدهشة رغم اعتياد الأيام، وأن يُبقي نوافذ الفضول مشرعةً رغم وفرة و جاهزيةِ الإجابات، وأن يسير في دروب التساؤل على غير خوفٍ من الأحكامٍ أو الافتراضات.
تراهُ يبتسمُ حينَ تمرُ بهِ فراشةٌ تطير, بل و رُبما يتوقفُ ليُحادِثها..
تراها تضع زهرةً في شعرها وتضحك بخجلٍ طفوليّ إذا ما تلقّت مديحاً لطيفاً.
تَراهُ يتحوّل إلى صبيٍّ حين يُصادِف أطفالاً يلعبونَ الكرةَ فيركلُها معهم رُغم ارتدائهِ لبدلتِه الرسمية..
تراها تقفزُ حماسةً و دهشةً إذا ما تفرقعت أمامها الألعابُ الناريةُ في قلبِ الليل..
تراهُ يتأمل الغيوم في السماء، ويتخيل منها أشكالًا ووجوهًا، ثم يضحك وحده..
تراها تُخرج هاتفها لتلتقط صورةً لظلِّ شجرةٍ على الأرض، و كأنها اكتشافٌ عظيم..
و غيرُهم الكثير..
و لعلّك تتذكّرُ أحدَهم الآن و تبتسِم و أنت تقول :
“ليتَني مثله”..
“أعيشُ رُغم كلّ هذه التعاسةِ, بِبَساطة.”
هؤلاء الذين لم يُطفئ العمرُ شعلة الطفولة فيهم..
يذكّروننا بأن العيش بروح الطفل ليس جهلاً بالألم، بل قدرة على عبوره دون السماحِ لهُ بِأن يترك في القلب حقدًا أو في الروح مرارة.
أن تحزن، ولا تكره.
أن تُخطئ، ولا تتذرّع.
أن تسأل، ولا تخجل.
إنها روح اختارت، عن وعيٍ وبصيرة، أن تتحلّى بالصدق والعذوبة والمرونة…
لا لأنّها غافلةٌ عن قسوة العالم..
بل لأنّها أقوى من أن تتحكم بها سطوةُ القسوةِ و أن تُحوِّل قلبها إلى حجر.
و في الختام..
إنّ التصرّف كطفلٍ لا يُشبه البتّة العيش بروح الطفل..
فالاثنانِ يحولُ بينهما هاويةٌ من المعنى تُدعى: المسؤولية.
Acting childish: هو رفض النضج.
Being child-like: هو نُضج ممتزج بالحياة.
الذي يتصرّف بطفوليةٍ إنما يفرّ من نضجه، ويلقي بحمله على من حوله، متذرّعًا بالظروف، هاربًا من تبعاته.
أمّا الذي يَحيا بروح الطفل، فهو الراشدُ الحقّ: يُمسك بزمام أمره، ويتلقّى أثقال الحياة بوجهٍ باسم، كأنما في ابتسامتِهِ هذهِ طوقُ النجاة.
الأول يعيشُ ضحيةً للظروفِ و الأعباء..
والثاني يُدرِكُ أنّ الحياةَ لا تستحقُّ كل هذا العناء..
الطفلُ المكنون في أعماقنا لم يُخلَق ليُعطّل مسيرتنا..
بل ليوقظ فينا بقايا الدهشة الأولى..
وليذكّرنا أن “عالمَ الكبار” لا يقتصر على الصرامة والواجبات..
وأنّ التزمّت ليسَ مُرادِفاً للرشاد..
و أنّ الحكمة لا تُقاسُ بكمِّ الجدية و الصرامة..
وأنّ القلب إذا جفّ، شاختِ الروح قبل أوانها.
فاسقِ قلبك من ماء الدهشة، و أكرِم عقلك بزادٍ من البساطة، وامزج بين رصانة الراشد وعفوية الطفل، تكن إنسانًا بِكلّ مافي الكلمةِ من معنى:
ناضجًا بالوعي، غَضًّا بالروح، مُقيمًا بين جدِّ الحياة ومرحها، لا يطغى أحدهما على الآخر.
__
سُبحانكَ اللهم و بحمدك, أشهدُ أن لا إله إلا أنت, أستغفركَ و أتوبُ إليك.










جميل جدا 🌷
رائع اخذتيني في رحلة تأمل ..🫶🏼