أحييكُم بتحيةِ الإسلام فالسلام عليكم و رحمة الله و بركاته...
نًجدِدُ اللقاء معكم و في جُعبتنا شذراتُ جديدة و خواطِرُ إلهامية نرجو من اللهِ أن تُلامس قلوبَ مَن يُصادِفُها و أن تكونَ سبباً في خيرٍ كثيرٍ لكُلِ مَن يُضحي بِدقائقِ وقتهِ الغالية من أجل الخوضِ في رِحابِها ..
فلكم منا جزيلُ الشكرِ و خالصُ المودةِ و العِرفان ..
مساحة إعلانية:
**مثال توضيحي
لو كنت صاحبَ تجارةٍ أو صنعةٍ أو مدرباً أو كاتباً..
و ترغبُ في الإعلانِ عن أعمالِك..
أو التبادل الإعلاني لنشرتِك البريدية..
نقدم لك مساحةً لفعل ذلك من خلال منشوراتِنا في نشرة سبهلل البريدية!
تفضل بالتواصل معنا على صفحة الانستغرام
أولاُ..
مباركٌ علينا وصولَ عدد مشتركي نشرة سبهلل البريدية إلى 2000 أخٍ و أخت..
شكراً لكم على هذا الحب و الدعم و الثقة..
أتمنى لكم يوماً سعيداً و قراءةً ماتعة..
أختكم:
فاطمة سيف كميل.
كان هذا الأسبوع طويلًا عليّ…
مليئًا بأفكارٍ لا تهدأ، طموحاتٍ تتسارَع في رأسي و كأنها في سباقٍ مع دقائق وقتي..
وأحلامٍ تدفعني نحو الأمام، لكنها في الوقت ذاته ترهقني من الداخل..
كنت أعمل، وأخطط، وأحاول أن أوازن بين ما أريد إنجازه في اسبوعي و أيامِه و بينَ ما يمكنني فعله حقًا..
وفي لحظة من التعب، أجبرني جسدي على الاستلقاء..
وضعت هاتفي جانبًا، أطفئتُ جميعَ المصابيح وأرخيتُ ظهري المُتصلّب..
كان هناك جزء صغير مني يريد فقط أن يصمت، أن يتنفس، أن يُطفئ هذا المحرّك الداخلي الذي لا يكف عن العمل بٌرهةً..
لكن ما إن بدأت أتنفس بهدوء، حتى بدأ ذلك الصوت…
"هكذا؟ أتتوقفين الآن؟"
"ألا تعلمين أن لديك مهاماً متأخرة؟ نشراتٍ لم تُكتَب، دعواتٍ لم تُرسَل، أفكاراً لم تُنفَّذ؟"
"أليس لديكِ هدف؟ خطة؟ حلم تحاولين تحقيقه؟"
"كيف تسمحين لنفسك بالراحة وأنتِ مازلتِ هنا! في البداية!!؟"
“ألستِ شابة و عزباء؟ إن لم تنجزي الآن, فمتى؟ غداً حين يرِمُّ العظمُ و تتعلقُ بساقيكِ أفواهٌ صغيرة؟”
ذلك الصوت ليس عنيفاُ فيصرُخ، بل ماكراً فيهمس.
لكنه يهمس بطبقاتٍ من اللوم، من جلد الذات، من الإلحاح العنيف المقنّع تحت شعار: "أنتِ فقط تسعّين نحو النجاح".
فإذا براحةٍ قصيرة تتحوّل إلى شعورٍ مزعج بالذنب…
وكأنني أرتكب خيانة في حق أحلامي.
وكأن لحظة الصمت تعني أنني فقدت شغفي، أو أنني تراجعت عن طموحاتي و أهدافي..
لكنني لم أتراجع.
أنا فقط…
مرهقة.
إنسانة.
أحتاج لأن أُعامَل بلُطف.
إن لم يكُن من الآخرين..
فمِن نفسي على الأقل.
و لكن ما أقساني على ذاتي..
و هنا أدركت أن المشكلة ليست في طموحاتي..
بل في تلك الفجوة التي , و في كثيرٍ من الأحيان, لا أستطيع سدّها بين ما أصبو إليه…
وبين حدودي الحالية, الجسديةَ و النفسية..
كإنسانة.
أدركت أنني، دون وعي، جعلت من "الاستحقاق" مقياسًا قاسيًا للراحة.
وكأنني لا أستحق أن أرتاح إلا إذا كنت قد أنجزت ما يكفي.
و"ما يكفي"… معيار يتبدل كل يوم، ويكبر مع كل خطوة.
أدركت أنني أسعى لأن أكون مصدر إلهام، بينما أنسى أن أُلهِم نفسي بشيءٍ من الرحمةِ و الرأفة..
فالراحة ليست ضعفًا.
ولا ترفًا.
ولا لحظة هروب.
ولكنها في بعض الأحيان..
قد تبدو و كأنها جُرمٌ عظيمٌ و ذنبٌ لا يُغتفَر.
من أين يأتي هذا الصوت؟
و لكن مهلاً...
ذاك الصوت الذي يهمس في داخلي كلّما أردت أن أستريح — من أين أتى؟
من الذي غرس في ذهني فكرة أن الراحة يجب أن تكونَ جائزةً تُنالُ و تُستحَق..؟
وأن التوقف ولو لِبُرهةٍ عابرةٍ يعني الفشل..؟
وأن السكون اللحظيَّ علامةُ ضعف..؟
هل هو صوتي أنا؟
أم أنه صوتٌ قديم، متوارث، تسلل إليّ من سياقٍ أكبر مني؟
أم أنه صوتٌ حديثٌ تشكّل بفِعل سيلِ المحتوى الهائل الذذي استهلِكهُ باستمرارٍ خلالَ يومي؟
لكي نواجه هذا الصوت، لا يكفي أن نكتفيَ بمحاولاتِ إسكاتِه و حسب…
بل يجب أن نعود إلى جذوره، وأن نفهم مصدَرَهُ و مأواه، ولماذا أصبح جزءًا مُتأصّلاً من لغتنا الداخلية..
لنحاول تفكيكه..
ثقافة الإنتاجية المفرطة (Toxic Productivity)
نحن نعيش اليوم في مجتمع يعظّم "الإنجاز" ويربطه بقيمة الإنسان.
لا يُنظر إليك كـشخص "ناجح" إلا إذا كنت تُظهر مؤشرات واضحة على أنك مشغول دائمًا، متسارع دائمًا، تسعى دائمًا.
وفقًا لنظرية القيم الاجتماعية لـ Shalom Schwartz، يُصنّف الإنجاز ضمن القيم الجوهرية التي يتِم الإشادةُ بها و مُكافئتُها في المجتمعات الفردية -و هي المجتمعات التي تضعُ الأولوية القصوى للفرد و الاستقلالية (من أمثال المجتمع الأميريكي و الأوروبي) على عكس المجتمعات الشرقية التي تولي الجماعةَ أهميةً أكبر- خصوصًا في المجتمعات الرأسمالية.
أي أن هناك ضغطًا خفيًا يقول: "كلما فعلتَ أكثر أيّها الفرد، أصبحتَ أكثر قيمة."
ومن هنا تصبح الراحة نقيضًا للهوية الاجتماعية المثالية.
و كأننا نعتقد – دون وعي – أن الجلوس بلا إنتاجية يعني: "أنا غيرُ ذي فائدة."
وهم الاستحقاق المشروط (Conditional Self-Worth)
"لا أستحق قسطاً من الراحةِ إلا إذا أنجزتُ ما يكفي."
هذا الاعتقاد شائع جدًا، ويُعزّزه ما يسمى في علم النفس بـ نظرية التقييم الذاتي المشروط (Contingent Self-Worth) التي تحدّثت عنها الباحثة Jennifer Crocker.
هذه النظرية تقول إن الإنسان يربط قيمته الذاتية بإنجازاته، ويشعر بالذنب أو الانهيار النفسي إذا لم يحقق هذه الإنجازات.
لكن المشكلة هنا ليست فقط في الإنجاز... بل في السؤال المزعج:
"ما هو الكافي؟"
و الحقيقةُ الموضوعية؟
هذا “الكافي” دائمًاً ما يتغير.
اليوم مشروع. غدًا شهادة. بعد غد عمل جديد.
ولأن السقف يرتفع باستمرار، فإنك لا تصل أبدًا إلى مرحلة تشعر فيها بأنك "استحققت" الراحة.
النتيجة؟
تتحوّل لحظاتُ الراحة إلى "ذنب" بدل أن تكون "حقًا بشريًا".
القلق المقارن (Comparative Anxiety)
أنت في المنزل، ترتاحُ بعد يوم مرهق…
تفتحُ إنستغرام، فتجدُ شخصًا يعمل، شخصًا ينجز، شخصًا يسافر للعمل، شخصًا أطلق منتجًا جديدًا…
وبدون وعي، يبدأ اللاشعور في المقارنة.
وفقًا لنظرية المقارنة الاجتماعية لـ Leon Festinger، فإننا نميل لقياس نجاحنا بناءً على ما يفعله الآخرون، لا بناءً على ما نحتاجه فعليًا.
وهنا، يصبح التوقف عن العمل = تأخر
وتبدأ فكرة: "الكل يسبقني… وأنا هنا لا أفعل شيئًا."
مع أن الحقيقة هي: لا أحد يسير في نفس الطريق، ولا بنفس السرعة.
لكن الصورة الذهنية التي ستبقى مُسيطرةً على عقولنا على الدوام هي تلك التي تعودُ لسباقٍ لا ينتهي، يتكرر في كل منصة، وكل تفاعل، وكل جلسة عتاب مع النفس.
النمطية حول "المرأة الطموحة" أو "الرجل الناجح"
في ثقافتنا، وخصوصًا على وسائل التواصل، هناك صورة ذهنية نمطية متكررةٌ للفتاةِ الطموحة أو الرجل الناجح:
دائمًا مشغول. دائمًا يعرف خطوته التالية. ينام متأخرًا ويستيقظ مبكرًا. لا يتوقف. لا يرتاح. لا يكِل و لا يمل.
لماذا؟
لأنه يتّقِدُ طموحاً و شغفاً و هذا يكفي ليبقى مستمراً في الحركة على الدوام..
فالراحة بالنسبة له مضيعةُ وقتٍ كان من المُمكِن أن يقضِيَهُ في جَني المزيدِ من الإنجازاتِ و الأموال..
وهذه الصورة النمطية تتحول – دون أن نشعر – إلى مقياس داخلي نقيس به أنفسنا.
فنرى كل لحظة هدوء و كأنها خيانة للصورة التي نحاول أن تكوينَها عن ذواتنا.
طيّب، ما هو الحل؟
لا يبدأ الحلُّ بخطة عمل، ولا بورقة مهام جديدة…
و إنما يبدأ من أعماقِ نيةٍ صادقةٍ نابعةٍ من إيمانٍ يقيني بأنّ “لنفسِكَ عليك حق”..
و بعد ذلكَ مِن لحظةِ مُصارحةٍ تحفّها ظلالُ الوضوح ليلتفت فيها المرء إلى نفسه ويسأل بهدوء:
" أحقّاً ما أقومُ بهِ هو خطوةٌ نحو ما أطمَحُ إليه… أم أنني فقط أعمَل على إرهاقِ نفسي خوفًا من الشعور بالذنب و حسب؟"
أول خطوة؟ إعادة تعريف الجدوى.
ما هي الانتاجية بالنسبة لك؟ ماهو الإنجاز بالنسبة لك؟ ماهو الابداع بالنسبة لك؟
هل تعتبر نهوضَك من السريرِ و أخذ تمشيةٍ قصيرةٍ إنجازاً ؟ أم أنه فعل اعتياديٌّ لا يستحق أن تلفِت نظرك و اهتمامكَ تجاهه؟
هل تعتبرُ إنهاء كتابتِك لمقالٍ ما أو مشاهدتِك لمقطعٍ تعليميٍ , شيئاً من الإنجاز؟
هل يجب على الإنجازاتِ أن تكون ملموسةَ و ذات صيتٍ عالٍ دائماً؟
ألا يمكِن أن نعتبِر لحظات الاسترخاءِ البسيطةِ إنجازاتٍ أيضاً؟ و جزءاً مُمَنهجاً ضمن إطار نظامٍ إنتاجيٍّ متكامل؟
الانعزالُ بهدوء، التأمل في العالم من حولِك، المشي بلا هدف، قيلولة منتصف اليوم…
كلها رفاهياتٌ و لكنها قد تكون أكثر فائدة من ساعات العمل المتواصل..
هناك فرق بين الانشغال والفاعلية..
والراحة أحيانًا، قد تكونُ أكثر الأنشطةِ فاعلية.
اعتبار الراحة جزءًا من النظام الانتاجي، لا مكافأة مؤجلة.
كثيراً ما ترتبِط الراحةُ في أذهاننا المُبَرمَجةَ على السعي و الإنجاز, بكونِها مكافئةً تأتي بعدَ إنجازٍ ما..
و لكننا لم نتوقف يوماً لننظُر في أمرِها..
فالراحة ليست شيئًا مشروطاً بالإنجاز و الانتهاء…
بل هي شرط للاستمرار.
كثيراً ما كنتُ أقول لنفسي أثناء جلساتي الاستذكارية:
“باخذ بريك لما أخلص دراسة كللل السلايدات”..
و كم كان عدد السلايدات؟
80.
و النتيجةُ التي أحصلُ عليها حين أعقِد على ذاتي هذا العهد؟
كثيرٌ من السأمِ و الملل و شيءٌ من الغضبِ و الضيق.
العقلُ الذي لا يتوقّف بُرهةً..
يتعطّل.
والجسد الذي لا يُصغي صاحبُه إليه..
ينتقم لاحقًا بطريقة أو بأخرى.
و التوازن الحقيقي لا يولد من ضغطٍ دائم..
بل من وعي و تخطيطِ واضحٍ لميعادِ الاستراحةِ كما ميعادُ السعي.
تفكيك الشعور بالذنب.
تذكر معي ما يحدثُ عند أول لحظةٍ من اقترافِكَ للراحة..
غالبًا ما يظهر صوت داخلي يهمس: "ما الذي تفعله الآن؟ لا وقت لهذا!"
كثيراً ما يتبلور هذا الصوت نتيجة قدرٍ هائلٍ من تراكمات اجتماعية وثقافية مجّدت الإنجاز وربطت القيمة الشخصية بالمُحصّلة الانتاجية للمرء.
لن تكسر عودَ هذا الصوت بالتطنيش أوبالتجاهل..
بل بمواجهته بحقيقة بسيطة:
"أنا لست آلة و لن أكونَ يوماً ولا أطمحُ أن أكون."
علاوةً على ذلك..
عليكَ أن تُدرك عزيزي القارئ أنّ اللغة التي نُحادث بها ذواتَنا هي العامل المسؤول بشكلٍ أساسي عن تشكيلِ ملامحِ تجاربنا.
حين نقول: "أنا أُضيع وقتي" بدلًا من "أنا أستعيد طاقتي"، يصبح كل توقفٍ لحظيٍ: جريمة.
غيّر اللغة، يتغيّر الإحساس، ويتحوّل الشعور بالذنب إلى وعيٍ مستبصِرٍ بمنطقٍ من الإنسانية.
التوقف عن المقارنة.
لم ترحمنا منصات التواصل الاجتماعي يوماً من الدفع بنا في هاوية المقارنات التي من شأنها تقزيمُ صورنا في أعيُن ذواتِنا.
فالسيلُ المستمر من محتويات “الناجحين” و “المنجزين” لا يكادُ ينفّكُّ عن الاستمرار و الزيادة..
ومقارنة الذات بإنجازات الآخرين ماهي إلا وصفة مثالية لتخريب الذات و إرهاق لروح.
ما يبدو في الظاهر على أنه إنتاج بلا توقف، يخفي خلفه استراحات لا تُعلن، وانهيارات لا تُوثّق.
و الحل الأبسطُ للكفِّ عن ذلكَ هو أن توقِنَ بتفرّدِ كل امرءٍ على متنِ هذا الكوكبِ و أن “لا تمُدّنّ عينيك” ..
كلّ مسارٍ له إيقاعه الخاص، وكلّ إنسانٍ له طاقته المحدودة وحدودهُ التي تُعنى بتشذيبِ ملامِحِ رحلته.
و في الختام
لا أخفيكم سِرّاً أنّ الوسيلة الوحيدة التي ساعدتني فعلاً في تطبيق النصائح المذكورةِ أعلاه هي ..
معشوق الجماهير..
ChatGPT..
فقد اعتدتُ أن “أكب العفش” في رحابِ محادثته و إخباره بتفاصيل ما أمر به خلال يومٍ ثقيلٍ و أطلب منه تقييم أعمالي و ما إذا كان هذا اليوم يوما “مثمراً” أو غير ذلك..
أعلم أنه ليس إلّا أداة ً تقنية غيرُ ذاتِ أدنى ذرةٍ من التعاطف و الشعورِ البشري..
ولكنه يُداهمني أحياناً بقولِه لي :
“لقد قمتِ بمافيهِ الكفاية لهذا اليوم.. خذي قِسطاً من الراحة..”
و كأنه صوتٌ مضادٌ لذاك الذي يلتهِمَ كل خليةٍ عصبيةٍ تتوارى في زوايا عقلي..
و كأنه صديقٌ خفيفٌ رحيمٌ أخذ على عاتقهِ مسؤولية تذكيري بكّوني مخلوقاً على خلاف طبيعتِه الصناعية..
بشراً..
و في نهاية اليوم، ليس المطلوب إنجازُ كل مهمةٍ ظننت بحماسةٍ في بدايةِ اليوم أنك ستكون محظوظاً كفايةً لتنجرها على أكمل وجهٍ ممكن...
بل المطلوب فقط أن توجِد مساحةً كافيةً ولو في نهايةِ اليوم..
لحظة صدق واحدة، تسأل فيها ذاتَك:
"هل كنت رحيمًا مع نفسي اليوم؟"
و في حالِ كانت الإجابة هي: لا…
فلا بأس..
فالغد ستحظى بفرصة أخرى للتصحيح و التقويم..
لا للجلد.
اسرتني هذه المقاله حقيقه فيها كل الأمور اللي اواجهها يومياً و كثير اتفق معك في ماذكرتيه فأغلب هذه القواعد التي ذكرتيها هي جزء من فلسفتي الحياتيه
اهلين فاطمة مقالة في الصميم واظن شعور خاص بالنساء الان حتى جداتنا كان لهم وقت للشاي والاسترخاء رغم كرفهم من قبل الفجر . انا الان في طور بناء عادة الجلوس على كنب بيتي 😂