أحييكُم بتحيةِ الإسلام فالسلام عليكم و رحمة الله و بركاته...
نًجدِدُ اللقاء معكم و في جُعبتنا شذراتُ جديدة و خواطِرُ إلهامية نرجو من اللهِ أن تُلامس قلوبَ مَن يُصادِفُها و أن تكونَ سبباً في خيرٍ كثيرٍ لكُلِ مَن يُضحي بِدقائقِ وقتهِ الغالية من أجل الخوضِ في رِحابِها ..
فلكم منا جزيلُ الشكرِ و خالصُ المودةِ و العِرفان ..
مساحة إعلانية:
**مثال توضيحي
لو كنت صاحبَ تجارةٍ أو صنعةٍ أو مدرباً أو كاتباً..
و ترغبُ في الإعلانِ عن أعمالِك..
أو التبادل الإعلاني لنشرتِك البريدية..
نقدم لك مساحةً لفعل ذلك من خلال منشوراتِنا في نشرة سبهلل البريدية!
تفضل بالتواصل معنا على صفحة الانستغرام
تمّت دعوتي منذُ أسابيع قليلة مِن قِبَلِ شخصٍ عزيزٍ إلى فعاليةٍ في أكاديمية الشارقة لعلوم وتكنولوجيا الفضاء والفلك..
دعوة بسيطة، تلقّيتها على فُجاءَةٍ و لكنها نشرت في قلبيَ دِفئاً جميلاً..
"يُسعِدُنا حضوركِ و نتشرّفُ به.."
ابتسمتُ في البداية، ظننتُ أنني سأحضر لأجلِ تلبيةِ الواجبِ بلُطفٍ فقط..
لم أكن أعلم أنني سأحضر لأجل شيءٍ أكبَر…
وصلتُ إلى المكان..
حاولتُ جاهدةً أن أبدو على قدرٍ من الارتياح..
و لكنني لم أستطِع تمالُك الحقيقة..
كنتُ أبحثُ عن ذاك الوجه المألوف فقط..
رغبةً في أن أشعر بأمانٍ رُغم غرابةِ المحيط..
غرفة مليئة بوجوه لا أعرفها، بأصواتٍ تتحدث عن أشياء لم أكن أفقه فيها شيئًا..
تحدّثوا عن السماء، عن التلوثِ الضوئي، عن دربِ التبانةِ و “أندروميدا” ..
عن أسماء لنجومٍ لم أسمع بها من قبل..
و أنا؟
كنتُ أراقب تحرّكات المُصوّر و أحرُص على التهرّبِ منهُ حتى لا يلتقِط عيوبَ بشرتي..
وجدتُ نفسي… غريبة.
غريبة في وسط عالمٍ لا يشبهني.
غريبة بين كلماتٍ لا أملك سياقًا لفهمها.
غريبة وسط همساتهم المتحمسة، وضحكاتهم وهم يتبادلون قصصًا عن أمسياتٍ قضوها محدقين في السماء.
وفي داخلي… تناقض.
جزءٌ مني أراد أن يُغادر..
أن يعود إلى مساحته المألوفة، حيث الأفكار مألوفة، حيث الحديث مألوف، حيث أنا مألوفة.
شعورٌ بالجهل… ثقيل.
شعورٌ بالضعف… مخيف.
شعورٌ بالانكشاف… مُحرج.
وكأنني كنتُ أحاول جاهدةً أن أخفي حقيقتي:
“أنا لا أفهم!!”
لقد كنتُ مجرّد مستمعة تهيمُ بضياعٍ في بحرٍ من المعلومات الغريبة.
كنتُ أبتسم بلطف، أومئ برأسي وكأنني أفهم، بينما في داخلي كانت الأسئلة تتصارع:
– ماذا يقصدون بالسماء المظلمة؟
– هل للنجوم أسماء؟ من يُسميها؟
– لماذا كُلُّ هذا الشغف؟ ما الذي يرونه في هذه النقاط الصغيرة البعيدة؟
ثم بدأت ألاحظ شيئًا آخر…
ها هُم هناك، يتحدثون بشغف، يشرحون لبعضهم، يُجادلون، يبتسمون، يتبادلون النظرات المبهورة…
لم يكن وجودي بينهم يشكل فارقاً حقيقيًا.
كنتُ مجرد عابرةِ سبيلٍ في عالَمهم.
و هنا… بدأت أشعر بالهدوء.
لستُ مضطرة لأن أكون "فاطمة سيف كميل".
لستُ مضطرة لأن أكون "الكاتبةُ الرياديةُ المُلهمةُ و المتفوّقة و خريجة المالية و الإدارة".
يمكنني أن أكون ببساطة…
تلكَ الفتاةُ الشابةُ..
المُستمعة.
المندهشة.
الفضولية.
ويا لها من راحة!
مجرد غريبة… تبحث عن معنىً في عالمٍ لا تفهمه..
هذا كلُّ شيء.
ضَع نفسَكَ في غيرِ مكانِك
لطالما كنتُ أُحيطُ نفسي بأشخاصٍ يُشبهونني.
فأنا لستُ غريبةً حين أرتادُ معارِض ريادة الأعمالِ و اللقاءات الأكاديميةِ في مجال الأعمالِ و التسويق..
ولكن..
فلَكٌ و فضاء؟
إنهُ حتماً عالمٌ غيرُ عالمي!
حاولتُ جاهدةً إقناعَ نفسي أنَّ السبب الوحيد لحضوري هذه الفعالية كان مِن أجلِ تلبيةِ دعوةِ مَن دَعاني..
ولكنني و أثناء خوضي في غِمار الفعالية..
كنتُ كثيراً ما اتسائل “هذا ليسَ مكاني .. ما الذي أتى بيَ إلى هُنا؟ .”
ولكنني كنتُ أبتسمُ أيضاً و أسامِر نفسي “أتدرين؟ ليس الأمرُ بهذا السوءِ، ”
عزيزي القارئ..
لعلّك تتسائل..
“لماذا حرِيٌّ بنا أن نضع ذواتنا في غير مكانها؟”
و الإجابةُ ببساطةٍ هي:
لأن الأماكن التي لا تُشبِهك هي تلك التي تُوقِظ فيك ما غفا..
لأن الأماكن التي لا تُشبِهك هي التي تُثري نُموّك.
لأن الجلوس وسط عالَمٍ غريب يوقظ فيك فضولًا نائمًا..
لأن الاحتكاك مع عوالم لا تعرفها يُشبه الوقوف أمام مرآةٍ تعكس لك جانبًا جديدًا منك،
جانبًا قد لا تدرك وجوده حتى تختبره…
جانباً لا تكونُ فيه بُؤرةَ الحدَثِ أو روحَ المكان أو مِحورَ الاهتمام..
جانباً تكونُ فيه مستمعًا لا متحدّثًا..
مُتعلّمًا لا مُعلّمًا..
في هذا المكان، لم أكن الخبيرة، ولم أكن المتحدثة، ولم أكن حتى الحاضرة البارزة..
كنتُ الوجه الجديد، الصوت الصامت، النظرة المندهشة.
كنتُ الغريبة في حشد من المُلمين، الورقة البيضاء في مكتبةٍ حبرُها لا ينضب.
وهل هناك دورٌ أعظم من هذا؟
أن تكون في مكانٍ لا تُجيد فيه أي شيء،
و لكنك بدلاً من ذلك..
تتقن الفضول و الرغبةُ في الاستقبال!
استقبال الأفكار، استقبال الخبرات، استقبال الدهشة.
لكن ما الذي تجنيه من هذا؟
كثيراً ما تتوالى علينا النصائح التي تسعى لإرشادنا نحو شيءٍ واحدٍ كثيراً ما يقدّسهُ هؤلاء الذين كانوا نِتاجَ الثورةِ الصناعية: الخصخصة - Specialization.
فكثيراً ما يتمُ نصحُنا و إرشادُنا نحو طريقٍ محفوفٍ بالتركيزِ و الدقة في التحديد.
حتى أصبحَ كُل ما هو مُتوقّعٌ منا في مختلفِ أيام حياتنا هو: أن نكونَ حيثُ يجبُ أن نكون.
فرائدُ الأعمالِ لا يُتوقّعُ وجودُه في فريقٍ بحثيٍّ في مجالِ الأجرامِ و الفلك!
و الفنانُ الحالمِ الذي يخطُّ بريشتِه أجمل المناظرِ و الأشكال, سيكونُ غريباً إن تحدّث في مؤتمرٍ أكاديميٍّ عن الجبرِ و الرياضيات..
أدركتُ ذلكَ حينَ حضرتُ لأول مرةٍ, فعاليةً شبابيةً لرصدِ النجومِ ليلاً بعيداً عن المدينة..
و كُلّ ما سمِعتُه طوالَ الاسبوعِ من “أحدِهِم”.. قبل و بعد الفعالية كان التالي :
“ليس مكانها!!”
“ما الذي أجبرها على المشاركة!!”
“ أريدُها أن تتركَ هذا النوع من الفعاليات و الأنشطة فهي مضيعةٌ للوقت!!”
و هنا فعلاً بدأتُ بالتساؤل..
لماذا وضعتُ نفسي في غيرِ مكاني؟
ما الذي جنَيتُه من تلكَ الفِعلة؟
و هاهي أهم الفوائدِ التي استقيتُها:
1. فهمٌ أعمق للعالم
حين تجد نفسك في غرفةٍ يتحدث فيها الجميع عن شيء لا تفهمه، تُصبح أقربَ للفهم.
تُدرِك أن المعرفة ليست محصورةً في مجالك أو اهتماماتك، بل هي بحرٌ شاسعٌ من الاحتمالات.
في حديثٍ عن النجوم البعيدة، تعلمتُ درسًا عن الصبر.
الضوء الذي نراه اليوم من النجوم قد يكون صادرًا من نجمٍ مات منذ آلاف السنين.
وكم من الأفكار والنجاحات التي نلاحقها هي في حقيقتها مجرد أضواء قديمة، توهمنا بالبريق بينما مات جوهرها منذ زمن.
تلك المشاريع التي نظنها أحلامًا، وتلك الأهداف التي نركض خلفها دون وعي…
ربما هي مجرد أشباح لرغبات قديمة لم تعد تخدمنا.
2. قدرةٌ على التأقلم
حين لا تكون في مكانك، تتعلم كيفية الإصغاءِ بدلًا من الحديث.
تُدرِك أن العالم ليس مسرحًا عليك أن تعتليه دائمًا، ففي بعضِ الأحيان, تكونُ تلك المقاعد الخلفية هي أفضل الأماكن للمشاهدةِ و التعلُّم.
حين تكونُ في غيرِ مكانك, ستتعلم كيفية الإحسانِ في طرح الأسئلة بدلًا من تقديم الإجابات.
ستتعلم أن تضع ذاتك في موقع المستفيد، لا العالِم المُتفّيْقِه.
في تلك اللحظات التي تشعر فيها بالغربة، ستُعيد اكتشاف قوة الصمت، جمال الإنصات، وفضيلة التواضع.
ستجد نفسك تتحدث مع أشخاص لا يشبهونك، بلغة لا تُتقنها، ومع ذلك…
تكتشف أن التواصل الحقيقي لا يحتاج دائمًا إلى الخبرة أو المعرفة، بل إلى الصدق والفضول.
3. شبكة علاقاتٍ جديدة:
ستُقابِل ألواناً اجتماعيةً مختلفة.
هؤلاء الأشخاص المختلفونَ عنك.. ليسوا غريبي أطوارٍ أو محضُ وجوهٍ عابرة..
بل إنهم نافذةٌ لعوالم لم تخطر على البال، أفكار لم تُناقشها من قبل، ورؤىً قد تغيّر نظرتك للحياة.
هم مُغامرون في مجالاتهم، وأنت غريب في عالمهم، وهذا يُولّد تفاعلاتٍ فريدةً من نوعها.
هم يروْن فيك الفضول، وأنت ترى فيهم المعرفة.
و في هذا التفاعل غير المتكافئ، تُولَد أجمل العلاقات.
من بين هؤلاء قد تجد أصدقاءً جددًا، أو مُلهمين، أو حتى شركاء لرحلةٍ جديدة.
وربما، يُصبح أحدهم يومًا ما جسرًا يفتح لك أبوابًا لم تكن تحلم بها.
4. توسيع آفاقك:
الأماكن التي لا تشبهك هي مختبر لاستقصاءِ فضولك.
هل يمكنك أن تجد الجمال في شيء لا تفهمه؟
هل يمكنك أن تنبهر بشيء لم تكن تعتبره مهمًا من قبل؟
تتساءل: كيف يمكن لأشخاصٍ أن يقضوا ساعاتٍ يتحدثون عن كواكب تبعد ملايين السنين الضوئية؟
ولكن فجأة، وسط هذا الغموض، ها أنت تُبصر درساً: ستُدرك أن الجهل ليس عيبًا، بل فرصة.
كل فكرة جديدة، كل معلومة غريبة، تُشبه نافذةً جديدةً تُفتح في ذهنك، تُنعِشُ حُجُراتِ عقلِك,
تُذكرك بأنك لست مكتملًا، وأن هناك المزيدَ دوماً! المزيد لتعرفه، لتتعلمه، لتكتشفه.
حينَ تمارسُ فضولَك فإنك بشكلٍ ما, تمارسُ إنسانيتَك، والأماكن الجديدة هي الغذاء لهذا الفضول.
وكلما وضعت نفسك في غير مكانك، ازددت انتعاشاً, و إنسانيةً.
5. مواجهة الأنا وكسرها:
في عالمٍ نُحبُّ فيه أن نكون الخبراء، المتمكّنين، أصحاب الرأي الصائب، تأتي هذه التجارب لتُهذِبَك.
ستكتشف أنك لست دائمًا الأذكى، لست الأكثر فهمًا، لست المُحاور الأكثر براعة.
ولكن… هنا يكمن لُبُّ الأمرِ كلِه.
عندما تتجرّد من وهم التفوق، ستصبح متعلمًا حقيقيًا.
ستتعلم كيف تُصغي بلا مُقاطعة، وكيف تُقدّر آراءً لم تكن لتفكر فيها يومًا..
و حينَها ستتمكّن من اكتشافِ ما يُمكِنُ أن تكون.
و في الختام
لعلّك على استغرابٍ من نشرةِ هذا اليوم و فحواها..
فأنت كنت تتلقى طوال حياتِك نصائحَ ترشدُك لتكونَ على قدرٍ من التركيز على مجالِك حتى تكونَ فيهِ على قدرٍ من العمق, الخبرة و التفوّق..
و لكنني اليومَ انصحُك و بشدة..
أن تضعَ ذاتَك في غيرِ مكانِها..
و لكن كيف؟
ابدأ رحلتكَ بمعرفةِ دائرة اهتماماتِك و معارِفِك و من ثمّ اجتنِبها لفترةٍ بسيطة من الزمن.. شهرٌ واحدٌ على الأقل..
اختر فعالية أو نشاطًا خارج دائرة اهتماماتك المعتادة..
ابحث عن عالَمٍ لم تطأه قدماك من قبل.
احضر ورشة في فنٍ لا تفهمه، مؤتمر في مجالٍ غريب، أو حتى جرّب قراءة كتابٍ في موضوع لم يخطر على بالك.
اجعل هذه العوالم الغريبة مغامراتٍ صغيرة تُثري رؤيتك للعالم و لا تحاول إدراكَ أهميتها على الفور، فقط كن هناك، كن حاضرًا، كن مستعداً للاستقبال.
لستَ بحاجة لأن تكون الخبير، لست بحاجة لأن تسرق الأضواء.
اجعل فضولك هو البوصلةَ التي تقودُك.
اسأل، استمع، تأمل…
تحدث فقط عندما يكون لديك سؤالٌ حقيقي أو رغبة في فهم أعمق.
تعلّم أن تكون المستمع الذي يلتقط الحكمة من بين السطور.
و اكتب عن تجربتك بعد ذلك..
لا تلقِ بتلكَ التجربةِ في زحام الأيام دون أن تترك أثرًا.
اكتب عن مشاعرك، عن أفكارك، عن لحظات الاندهاش أو الاستغراب.
هل وجدت نفسك في حالة من الحرج أو الغربة؟
هل شعرت بالفضول أم بالضياع؟
هل اكتشفت جانبًا جديدًا من نفسك؟
ما الذي تعلمته؟
ما الذي أثار فضولك؟
هل شعرت بعدم الراحة؟
وهل كانت هذه الراحة الزائفة هي العائق بينك وبين النمو؟
و الأهم من ذلك كله..
تذكّر:
أن تضع نفسك في غير مكانها..
هو أن تمنحها فرصةً للنمو خارج حدودها المعتادة..
فلا تظلِمها بحصرِها و تقييدها بما تظنُه راحتَها و قرارَها.
قبل فترة اشتركت بدورة تمريض ورعاية مرضى مع انه ليس اختصاصي وصراحة شعرت بالانبهار والاستمتاع والخجل بنفس الوقت وذلك لجهلي اعتقد ان مشكلة الانسان الازلية هي عدم اعترافه بجهله وتعطشه لان يكون المتفوق في شتى المجالات
إستمتعتُ كثيرًا بهذا المقال، صدقًا شعرتُ بالإستفادة